الخميس, نوفمبر 21, 2024
Homeأخبار الاذاعةراعي الابرشية ورسالة بمناسبة الصوم الكبير 2021
أخبار الاذاعة

راعي الابرشية ورسالة بمناسبة الصوم الكبير 2021

وكما أن النفس تحتاج إلى أفعال روحية تغذيها وتسندها، كذلك يحتاج الجسد أيضا إلى أفعال جسدية، من خلال هذه الممارسات يعلن الصائم عن توبته، ويقر بضعفه، ويعترف بتواضعه، بعيدا عن التعالي والتكبر، فالتواضع شرط أساسي للدخول إلى الملكوت. “إن لم تصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات

وجه سيادة المطران ماريوحنا بطرس موشي رئيس اساقفة الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك رسالة بمناسبة بدء الصوم الكبير 2021 جاء فيها

الأباء الكهنة، الاخوة الرهبان، أخواتنا الراهبات، أيها الشمامسة، والمكرسون والمكرسات، يا أبناء الأبرشية الموصلية السريانية، أينما كنتم، في العراق أو في بلد الانتشار، أيها المستمعون لإذاعتنا، إذاعة صوت السلام من بغديدى الكرام، إليكم كلمتنا بمناسبة الصوم الكبير.

وإذا صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرائين.

الصوم يعني الإمساك عن الطعام والشراب لفترة محددة من الزمن، إشارة إلى ضبط الجسد والنفس، كون الإنسان وحدة واحدة، نفسا وجسدا. وكما أن النفس تحتاج إلى أفعال روحية تغذيها وتسندها، كذلك يحتاج الجسد أيضا إلى أفعال جسدية، من خلال هذه الممارسات يعلن الصائم عن توبته، ويقر بضعفه، ويعترف بتواضعه، بعيدا عن التعالي والتكبر، فالتواضع شرط أساسي للدخول إلى الملكوت. “إن لم تصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات”.

من هذا يتبين لنا أن للصوم وجهان: وجه جسدي ووجه روحي. في الوجه الجسدي يعرض الإنسان ذاته عن العواطف المنحرفة ويكبح الرذائل ليتمكن من التسلط على الإباحية وعلى مغريات العالم، فاسحا المجال للنفس لكي تتجدد، فيتعلق قلبه بالله. علما أن الصوم لا ينحصر على الذوق فحسب، بل يشمل كل الحواس، ومنها الفم والعين والأذن والقدمين واليدين، وكل أعضاء الجسم، كما وإنه لا ينبغي أن يكتفي بالتغير في نوع الطعام فقط، بل في تغير القلب وما فيه. إلى هذا التغير يشير دعاؤنا في يوم الأحد الأول من الصوم: “أيها المسيح الذي حولت الماء إلى خمر جيدة، حول نفسنا من عمل الشر إلى عمل الخير”. أمر يتطلب من الصائم إضافة إلى الحرمان، جهدا أسمى لقهر الذات وضبط الحواس والأهواء، بغية التقرب من الله ومن البشر.

أما الوجه الروحي للصوم فهو يقوم على الامتناع عن الخطيئة، ذلك هو موقف القلب، القلب المتواضع التائب، القلب الرحيم والشفوق، الذي يسعى لتجديد العلاقة مع الله خالقه. هذا ما يدعونا إليه يوئيل النبي بقوله: “مَزِّقوا قُلوَبَكم لا ثِيابَكم وأرجِعوا إِلى الرَّبِّ إِلهكم، فإِنَّه حَنونٌ رَحيم، طَويلُ الأَناة، كَثيرُ الرَّحمَة، ونادِمٌ على الشَّرّ”. أجل! إنه زمن التوبة والعودة إلى الذات، تماشيا مع تعليم يسوع: “توبوا وآمِنوا بِالبِشارة”. والتوبة تعني الرجوع، إنها ترمي إلى مراجعة الذات، إلى التجديد والتغيير في العقلية، والتطوير في الشعور والحكم والحياة، إلى خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد، إلى الانتقال من الحياة القديمة والعودة إلى الشباب المتجدد. وباختصار، فالصوم هو نقاوة الصلاة، ونور النفس، ويقظة العقل والقلب معا.

ليس الصوم هدفا بحد ذاته، وإنما وسيلة للوصول إلى الهدف، إلى الله، لذا لا يمكن أن نفصل الصوم عن الصلاة وعن ذكر الرب. بصومنا نتجه نحو الرب منفتحين إليه ومنتظرين منه كل شيء. به نعبر أن الله هو مصدر الحياة والعيش، لا الخبز واللحم. وكون الله مصدر وجودنا يتحتم علينا أن نكون مستعدين لأن نفرغ حياتنا من ذاتنا لكي نمتلئ منه، هو وحده. نصوم ونجوع لنشبع أنفسنا من الله. ومع عودتنا إلى الله يدعونا الصوم للعودة إلى بعضنا البعض عبر أفعال المحبة والرحمة، إنها الصدقة والمصالحة. فالصدقة تجسد موقف القلب الرحيم والشفوق، الذي يسعى إلى تجديد العلاقة وتحسينها مع الآخرين. وكلنا نعلم أن لا حب من دون تضحية، كما أن التضحية من دون حب، سخافة وسذاجة.

وإذ يشعر الصائم بالجوع فهو يتحسس بمعاناة الجائع. لذا وجب علينا أن نجعل ما نصوم عنه من حق ونصيب المحتاج، وليس من حقنا نحن. فما نحرم منه نفسنا أو عائلتنا، علينا تقديمه هبة إلى من هو بحاجة إليه. تماشيا مع قول النبي إشعيا: “الصوم المقبول عند الرب، أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ”؟ اوَ لم يقل المسيح:” تَعالَوا، يا مبارَكي أَبي، رِثوا الملك المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ” ويختم قائلا: “كُلَّما صَنعتُم لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه”. أجل هذا هو الصوم الذي يفضّله الربّ: الصوم الذي يجعلنا أن نظهر لله أيادٍ مليئةً بالحسنات، وقلبًا مغمورا بحبّ الآخرين، وذاتا ممتلئةً من الطيبة والحنان.

صياما مقبولا. اجعله، اللهم، أن يكون لنا وسيلة تجلب عطفك إلينا وتبعد وباء كورونا عنا، وتمنّ علينا بنعمة زيارة قداسة ابينا البابا فرنسيس إلى ديارنا، ومعه، نستقبلك أنت أيضا، ضيفا عزيزا، تحل في ديارنا وتسكن في قلبنا، وتتعشى معنا.

                 المطران يوحنا بطرس موشي              

          رئيس أساقفة الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *