افتتح غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، أعمال السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وذلك في قاعة السينودس بالمقرّ الصيفي للكرسي البطريركي، في دير سيّدة النجاة – الشرفة، درعون – حريصا. في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 21 حزيران 2022
شارك في الجلسة الإفتتاحية أصحاب السيادة المطارنة آباء السينودس المقدس، وهم:
مار أثناسيوس متّي متّوكا، ومار ربولا أنطوان بيلوني، ومار فلابيانوس يوسف ملكي، ومار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار غريغوريوس بطرس ملكي، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السابق لأبرشية الموصل وتوابعها، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار تيموثاوس حكمت بيلوني الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا، ومار فولوس أنطوان ناصيف الأكسرخوس الرسولي في كندا، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار نثنائيل نزار سمعان مطران أبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا والمدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماة والنبك، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار أفرام إيلي وردة مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، ومار اسحق جول بطرس المطران في الدائرة البطريركية.
وتغيّب عن الحضور صاحبا السيادة: مار غريغوريوس الياس طبي، لأسباب صحّية، ومار باسيليوس جرجس القس موسى الزائر الرسولي في أستراليا ونيوزيلندا، والذي تعذّر عليه الحضور بسبب عدم تمكّنه من مغادرة أستراليا.
افتتح غبطة أبينا البطريرك اجتماعات السينودس بالصلاة والإبتهال إلى الروح القدس كي يهدي الآباء لما فيه خير الكنيسة والمؤمنين.
ثمّ ألقى غبطته الكلمة الافتتاحية، فرحّب بجميع الآباء معبّراً “معكم عن الفرح بتجدُّد اللقاء معاً لنتشارك هموم كنيستنا وشؤونها وشجونها في الشرق كما في بلاد الانتشار. نفتتح معاً في هذا الصباح، في مقرّنا البطريركي الصيفي، في دير سيّدة النجاة – الشرفة، السينودس الأسقفي السنوي العادي لكنيستنا، والذي كنّا قد دعوناكم للمشاركة فيه، بعد أن رفعنا معاً مساء البارحة ذبيحة القداس، واضعين همومنا وآمالنا بين يدي الرب. قلوبنا تلهج بالشكر لله، أبي الأنوار وينبوع المراحم، لِما أنعم علينا وعلى جماعاتنا الكنسية من بركات وخيرات خلال العام المنصرم. وفي الوقت عينه، لا ننسى الصعوبات والتحدّيات والمعاناة التي واجهَتْنا جميعاً، في بلادنا عامةً، ومع جماعاتنا الكنسية بشكل خاص”.
ووجّه غبطته ترحيباً خاصّاً بالمطارنة الثلاثة الجدد، مستذكراً صاحبي السيادة المطرانين الياس طبي وجرجس القس موسى اللذين لم يتمكّنا من الحضور، ومتطرّقاً إلى “الأوضاع المؤلمة التي تشهدها منطقتنا وتعصف ببلداننا المشرقية، والتي ستنال حيّزاً مهماً من البحث والتحليل خلال جلسات سينودسنا، لا سيّما وأنّ كنيستنا قد نُكِبت بها بشراً وحجراً، وقد لا نلمّ بنتائجها الوخيمة إلّا بعد جيلين أو ثلاثة. لكنّنا نبقى شعب الرجاء بالرب يسوع وبكلمته المحيية، ورجاؤنا به لا يخيب”.
وتطرّق غبطته إلى الرياضة الروحية التي فيها “تأمّلنا البارحة مع حضرة الأب الواعظ أيّوب شهوان، الراهب اللبناني الماروني، حول مفهوم دعوتنا الأسقفية، وتحدّيات خدمتنا، وعلاقات الأسقف مع إخوته الأساقفة والكهنة والمؤمنين الموكَلين إلى رعايته. نضرع إلى الرب أن ننهل من هذه الخلوة الروحية القصيرة، زوّادة إيمان ورجاء كي نتابع خدمتنا الأسقفية، بروح الراعي الصالح وحكمة المدبّر الحكيم”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “بالروح المجمعية (السينودسية) المعروفة ب “الشركة الأسقفية” التي تتميّز بها الكنائس الشرقية، نجتمع لكي نتحمّل سويةً أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، متضامنين ومتّحدين حسب وصية المعلّم الإلهي، راعينا ومثالنا، فنتبعه بأمانة، ونشهد له بمصداقية الرسل الحقيقيين الذين يرون في الدعوة الأسقفية قبل “الكرامة” واجبَ الخدمة بالتواضع وبذل الذات، وفوق كلّ ذلك بالمحبّة المتبادلة التي جسّدها معلّمنا الإلهي”.
واعتبر غبطته أنّ اجتماع السينودس “يأتي في ظلّ صعوباتٍ جمّة وأوضاعٍ عصيبة يعيشها العالم عامّةً، ولا سيّما شرقنا الغالي. وتأتي في طليعة هذه الصعوبات، الأزمات الاقتصادية الخانقة، لذا سعينا ولا نزال نسعى للقيام بمسؤولياتنا في النطاق البطريركي، على صعيد الأبرشيات والرعايا والمؤسّسات الكنسية، رغم عجزنا في تلبية كامل الحاجات للآلاف من العائلات التي تعاني من الفاقة، وقد أضحت ضروريةً مرافقةُ الشباب والطلاب الذين يجابهون مستقبلاً غامضاً في بلداننا المشرقية، لا سيّما في لبنان وسوريا والعراق”.
ولفت غبطته إلى أنّه “إن كانت الخضّات الأمنية قد انحسرتْ في السنوات الأخيرة، فالتحدّيات المصيرية لا تزال تزداد تعقيداً، فقد دخلنا داخل نفق لم تنقشع ظلمتُه بعد! وأجواء القلق والحيرة إزاء المستقبل تخيّم على الكثيرين، لأنّ الأوضاع المعيشية قد تدهورت، واضطررنا إلى تجميد الكثير من المشاريع الخيّرة. رجاؤنا راسخٌ بأنّ الكنيسة “عروس الختن السماوي”، المتألّمة في مسيرتها الأرضية، ستبقى مهما اشتدّت العواصف، حاملةً مشعل الخلاص وناشرةً نور الحقيقة لجميع الشعوب”.
وأكّد غبطته على أنّه “لكي نقوى على نشر الرجاء، فوق كلّ رجاء، بين المؤمنين، وإقناع الأجيال الصاعدة على الثبات في أرض الآباء والأجداد، علينا أن نتذكّر جوهر خدمتنا الأسقفية، فنشهد للوحدة والشراكة فيما بيننا، بالروح السينودسية الحقّة، ونحن نتواكب مع الكنيسة الجامعة لإعداد السينودس الروماني القادم لعام 2023… كما يتوجّب علينا عيش المصداقية وتفعيل الأمانة للرب وللكنيسة، بالشركة الروحية التي تجمعنا رغم تنوّع الإنتماءات الوطنية واختلاف الجغرافيا، كي نقدّم الشهادة الحقيقية للنفوس الموكَلة إلى خدمتنا، بأنّنا كنيسة واحدة في الإيمان والتراث والشهادة. علينا أن نُبدع بالمحبّة الفاعلة، ولا نكتفي بتبادُل التحيّة من باب اللياقة، بل علينا أن نكسر حواجز قد تعيقنا في الانفتاح الأخوي الصادق، واحدنا على الآخر، في هذه المرحلة الخطيرة التي تجتازها كنيستنا. لنشعر مع إخوتنا الأساقفة الذين تحمّلوا الكثير في السنوات الماضية وما زالوا، ونكتشف احتياجات أبرشياتهم ورعاياهم،إكليروساً وشعباً، ونتجاوب معهم بقدر ما أولانا الرب من مواهب وإمكانيات”.
وحثّ غبطته “الجميع على تقاسُم الهموم والآمال الرعوية بزيارات متبادلة، بعد أن زالت الحواجز بين بلداننا، لاسيّما سوريا والعراق البلدين المنهكَين لسنين طويلة! هلمّوا ننطلق بفيضٍ من الروح القدوس، نحمل أثقال بعضنا بعضاً، ونكرز بكلمة الرب المحيية والمانحة العزاء”.
وتناول غبطته “الوضع الاقتصادي المتردّي في سوريا، والذي يزيد من الفقر والمعاناة. ونأمل أن تتضافر جهود المسؤولين للنهوض بسوريا وإعادة بنائها وازدهارها. وقد لمسنا الجهود التي تُبذَل لمساعدة أبنائنا على الصمود خلال زيارتنا الأخيرة إلى دمشق، حيث شاركْنا في مؤتمر للمنظّمات الكنسية المانحة”.
وتحدّث غبطته عن العراق، متطلّعاً “إلى المزيد من اللحمة الوطنية بين مختلف مكوّناته، كي تتشكّل السلطات فيه، وتستقيم أمور الإدارة، لما فيه خير المواطنين. ونحن نتذكّر بفرح زيارتنا الأبوية الأخيرة إليه، حيث احتفلنا مع أبنائنا في قره قوش (بغديدي) بمسيرة الشعانين، والتي شارك فيها ما يقرب من عشرين ألف شخص. يا له من مصدر عزاء وفخر عظيم لكنيستنا! واحتفلنا بالقداس الإلهي في كنيسة البشارة، وهي الكنيسة الأولى التي أعيد بناؤها في الموصل المدمَّرة، وأحيينا رتبة النهيرة في برطلّة”.
وأشار غبطته إلى “أحوال أبنائنا في بلدان الشرق، من مصر التي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردن الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدسة التي تنشد السلام والمسامحة وقبول الآخر، وتركيا التي يعمل فيها أبناؤنا للمحافظة على حضورهم، وهم يجهدون لمتابعة شهادتهم للرب في أرض الآباء”.
وتكلّم غبطته عن الأوضاع العامّة في لبنان: “لا نستطيع إلّا أن نتكلّم عن الكارثة التي حلّت بهذا البلد، منذ ثلاث سنوات. لبنان الرسالة وموئل الحضارات ومنبت الحرّيات، والذي يئنّ رازحاً تحت وطأة أزمات مخيفة، من سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية. إنّنا إذ نستبشر خيراً بانتخاب المجلس النيابي الجديد، نناشد جميع المعنيين للعمل السريع والجدّي على تشكيل حكومة جديدة، علّها تخفّف من آلام الشعب ومحنة المواطنين الذين باتوا بأغلبيتهم تحت خط الفقر، وتتمكّن من القيام بالإصلاحات الواجبة، وإنجاز خطّة التعافي الاقتصادي مع المساعدات المتوخّاة من صندوق النقد الدولي وسواه من الهيئات والجهات المانحة. وندعو للبنان بالعودة إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار، وذلك بتكاتُف مواطنيه ونزاهة المسؤولين واستقلالية القضاء، فيصلوا إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، رافضين الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري وتدخُّل المُغرضين”.
وطالب غبطته المسؤولين اللبنانيين “بالعمل على كشف مصير أموال المودعين في المصارف وإعادتها إلى أصحابها، وكذلك متابعة التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت بمعزل عن أيّ حصانة أو حماية”، غير ناسٍ “الدور الهامّ الذي يؤدّيه الجيش اللبناني والقوى الأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ونحثّ المسؤولين كي يترفّعوا عن المصالح الشخصية والفئوية الضيّقة في سبيل الخير العام وتأمين مصلحة الوطن”.
وتوجّه غبطته إلى المؤمنين في بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، والذين يمارسون “حقوقهم الإنسانية الوطنية، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم، فإنّنا نشعر بمسؤوليتنا المشتركة وبالضرورة الملحّة لمتابعة خدمة المهجَّرين روحياً ورعوياً واجتماعياً. علينا أن نتدارس الحاجة إلى رفدهم بالكهنة المُرسَلين، وإعداد الإكليريكيين للخدمة، في الأبرشيات الخاصّة بنا في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا، أو حيث ما زالت رعايانا تحت إشراف الأسقف المحلّي في أوروبا”.
وعرض غبطته أمام الأساقفة الحاضرين المواضيع التي ستتمّ مناقشتها في السينودس، وأهمّها:تقارير عما استُجِدّ في كلّأبرشية وأكسرخوسية ونيابة وزيارة بطريركية ورسولية، روحياً ورعوياً واجتماعياً وثقافياً، والمراجعة النهائية لليتورجية القداس الإلهي قبل تقديمها إلى الكرسي الرسولي، والاستعدادات لسينودس الأساقفة الروماني 2023، والكنيسة في بلاد الانتشار: آفاق الخدمة وتحدّياتها، وتقارير عن الإكليريكية البطريركية والرهبانيات، ومواضيع عن الخدمة الكهنوتية، والتنشئة الإكليريكية.
وأوجز غبطته “بلمحة سريعة أهمّ الأحداث التي عرفَتْها بطريركيتنا السريانية منذ ختام مجمعنا السابق حتّى اليوم.
وشدّد غبطته على أنّنا “جميعنا مدعوون كي نشرّع قلوبنا لتستقبل أنوار الروح القدوس. من هذا الروح، كمال وحدة الآب والإبن، نستمدّ قوّتنا، ومنه نستقي إلهاماتنا، وبواسطته نتعزّى. هذا الروح الذي به ندعو الله “أبّا”، قادرٌ دون شك أن يجدّد فينا صورة معلّمنا الإلهي “الراعي الصالح”، فينعش خدمتنا الأسقفية بالإلتزام الصادق، وبالأمانة التي لا تشترط، وبالمحبّة التي لا تميّز”.
وختم غبطته كلمته الإفتتاحية بالتأمّل ببعض فقرات من موعظة قداسة البابا فرنسيس يوم عيد العنصرة الأخير عن أهمّية الروح القدس ومفاعيله في حياتنا، رافعاً الصلاة إلى الثالوث الأقدس، بشفاعة أمّنا العذراء مريم وجميع القدّيسين والشهداء، من أجل نجاح أعمال السينودس
هذا وستستمرّ أعمال السينودس في جلسات متتالية حتّى ظهر يوم السبت 25 حزيران.
منقول من موقع بطريركية السريان الكاثوليك الانطاكية