كتابة : نمرود قاشا
برج كنيسة الطاهرة في بغديدي , رمز حضاري وإيماني كبير , هو عنوان للبلدة , َدَمرهُ داعش او دُمرَ بسببه قسمه العلوي خلال عملية تحرير المدينة في 19 تشرين الاول 2016 , ولكي يبقى هذا الرمز شامخا , أعددت هذا التقرير.
1 . لماذا الأبراج ؟
حتى منتصف القرن الرابع الميلادي , لم تكن هناك حاجة لبناء أبراج عالية في المدن , الغاية منها تكون مكانا مرتفعا لتركيب النواقيس او الساعات عليها لتكون أماكن عالية مهمتها الأساسية دعوة الناس للصلاة عن طريق قرع النواقيس في أوقاتها المحددة وكذلك معرفة الوقت , وقبل ذلك كان الناقوس وهو في مكان غير مرتفع عن الأرض يضرب لقطعة خشب طويلة ليحدث صوتا يسمى ( الرنين , الطنين ) وهو صوت ارتطام قطعة الخشب بالحديد , لكي يصل هذا الصوت إلى اكبر مساحة .
بعد ذلك أصبح بناء الأبراج ظاهرة متميزة للكنائس والجوامع حيث المنائر للتكبير وكذلك إحدى الظواهر العمرانية في المدن والتي اشتهرت بأبراجها ومناراتها كما هو الحال ( برج بيزا) و جرس كاتدرائية مدينة بيزا الإيطالية، كان من المفترض أن يكون البرج عموديا ولكنه بدأ بالميلان بعد البدء ببناءة في آب 1173م بفترة وجيزة , برج إيفل هو برج حديدي يوجد في شامب دي مارس (ساحة مارس) بالقرب من نهر السين في باريس. حمل اسمه عن مصممه غوستاف إيفل، ويعتبر من أكثر المزارات شهرة في أوروبا , برج العرب في دبي بين أحدث ما وصلت إليه التقنية العالمية وأقصى ما تعرفه الرفاهية المطلقة، ويعد بذلك أهم صرح عربي للضيافة , بني فوق جزيرة تطل على ساحل الخليج في مدينة دبي وصمم على شكل شراع سفينة بطول321 مترا ,
برج ساعة كنيسة اللاتين في الموصل , نصبت في صيف عام 1882م حينما كافأت السلطات العثمانية جهود الآباء الدومنيكان لمواقفهم الإنسانية والطبية التي قدموها إبان اجتياح المجاعة لمدينة الموصل , ووضعت في البرج الذي يبلغ ارتفاعه 27 متراً أجهزة الساعة المعدنية الضخمة , وجاءت المكافأة من لدن الدولة الفرنسية من خلال الملكة اوجينيه زوجة نابليون الثالث. منارة الحدباء في الجامع النوري في الموصل بنيت في عهْد الخليفة العبَّاسي المستضيء بالله أَمَر الملِك نورُ الدين محمود زنكي مُؤسِّس الدولة الزنكية سنة 1173 , مِن أبرز معالِم هذا الجامع منارتُه الشهيرة بالحدباء،
2 . شيء عن كنيسة الطاهرة القديمة
كنيسة مريم الطاهرة , وكانت تسمى أيضا كنيسة ” مريم أم الله ” ثم ” كنيسة العذراء ” أما اليوم فيطلق عليها تسمية ” كنيسة مريم الطاهرة القديمة ” ويرجع تاريخ إنشائها إلى السنوات الأولى من دخول المسيحية إلى البلدة ” بغديدا ” وهي تنخفض عن الأرض المحيطة بها أكثر من مترين , أول ذكر لها جاء سنة 1129 م , وبما أنها أولى الكنائس فمن المؤكد أن برج الناقوس العائد لها والذي تم إنشاءه بحدود 1920 أو قبلها كأقدم برج فيها , بعد أن كان سابقا يتبع أسلوب المناداة للصلاة عن طرق مناد يجوب أزقة البلدة القديمة , وكان يقوم بالمهمة ” عشيرة ال شيتو ” وتناوب عليها كل من : ججو , ميخا , متي , ورفو شيتو .
واستمرت الوضعية هكذا حتى تم تشييد برج الكنيسة القديمة , فقد انتفت الحاجة إلى المنادي الذي انتهى سنة 1930 حيث تم إكمال بناء البرج وتركيب الناقوس , وقد تميزت هذه ” المجرسة ” بجمالها من حيث هندسة البناء والتصميم فقد كانت أجمل وأعلى بناية في البلدة , وعرف ناقوسها بصفاء الصوت وقوة رنينه وهو يشق عباب السماء فتسمعه كل بغديدي ويصل صوته إلى القرى المجاورة في الأيام الصافية .
وعلى صوت الناقوس ودقاته تبدأ حركة الحياة في بغديدي , فهو إيذان بموعد الصلاة , ولمن هو مرتبط بعمل في الحقل أو المزرعة او الرعي فيباشر بعمله , وعادة تكون الساعة السادسة فجرا موعدا للصلاة .
هذا البرج شيد فوق ندخل الكنيسة ” قنطرة ” يسار الكنيسة , وهو مكون من أربعة أعمدة على شكل مربع من المرمر الموصلي وبطابقين , الطابق الثاني يضم الناقوس وسقفه المطوق بالمرمر .
هذا الناقوس بقي يعمل لمدة ( 42 ) عاما حتى أزيل عام 1974 بعد أن وصل البرج الحالي لكنيسة الطاهرة الجديدة الى مراحله النهائية , ليتم تحويل نفس الناقوس إلى البرج الجديد .
3 . كنيسة الطاهرة الكبرى ” قبل تشييد البرج
سميت ب ” الكبرى ” لا لضخامتها وسعتها فقط وإنما للتفرقة بينها وبين كنيسة الطاهرة القديمة المجاورة لها , ومع هذا فهي اكبر كنائس العراق إلى حد هذا اليوم , ومن كبريات كنائس الشرق الأوسط .
وضع حجرها الأساس المثلث الرحمة المطران قورلس جرجس دلال في21/8/1932 , واستمر البناء فيها حتى 1939، وتوقف ردحاً من الزمن بسبب الحرب ودعوى النزاع على الأراضي مع الجليليين والظروف الاقتصادية ورداءة المواسم الزراعية , ثم استؤنف بهمّة أهل البلدة ,
ذلك أن موارد البناء الرئيسية كانت من تبرعات المؤمنين من المحاصيل الزراعية والمواشي عاماً بعد عام , ومن مصوغات المؤمنات المتبرعات ومن العمل الجماعي المجاني
بعد الانتهاء من بناء كنيسة الطاهرة وتكريسها في 7 تشرين الثاني 1984 في عهد المطران مار قورلس جرجس دلال وبحضور القاصد الرسولي ” اسطيفان دي شبيلا ” وكان القاصد الذي سبقه ” أنطوان درابيه ” قد رفض وبشكل قاطع فكرة بناء الكنيسة عندما فوتح بالأمر سنة 1930 خلال زيارته للبلدة من قبل وفد من وجهائها ( الشيخ باهي دديزا , عبو يونو قاشا ) موجها كلامه للوفد صارخا بالانكليزية ( نو …. نو ) إشارة لعدم الموافقة , عندئذ تقدم الشماس عبو قاشا منه ليقول له : ( نو …..نو … وإلا مع السلامة ) , و طلب من الوفد الانسحاب
, وهكذا اعتمد الخديدون على الله وأنفسهم وإمكانياتهم الذاتية في بناء هذا الصرح الشامخ , وهي عنوان للتحدي كأكبر كنيسة في الشرق مساحة وعمرانا , حيث تضم الكنيسة ثلاث فضاءات شاهقة أوسعها وأعلاها أوسطها ويبلغ ارتفاعه ( 15 م ) إما الجانبيان ارتفاعهما ( 12 م ) تستند هذه الفضاءات على ( 18 عمود ) رخامي ضخم تتلاقى في أقواس شاهقة رائعة , ثلاثة مذابح، تظلل الأوسط الرئيسي منها خيمة رخامية تسندها أربعة أعمدة سامقة , وتضم الكل قبة شاهقة تخترقها اثنتا عشرة نافذة , وتبلغ مساحة الكنيسة بناء ( 1296 متر مربع ) , وبنيت على يد المعماريين السريانيين الموصليين عبودي طنبورجي ورؤوف حنا الأسود
4. برج كنيسة الطاهرة
في عام 1973 فاتح سيادة راعي الأبرشية ( المطران مار قورلس عما نوئيل بني ) المرحوم الخوراسقف ( الأب ) لويس قصاب رئيس خورنة قرة قوش بنيته لبناء برج لكنيسة الطاهرة يضيف الى جمالها جمالا ويكمل زينة عروسة كنائس الشرق , الأب قصاب كلف بدوره الشماس ( يوسف عبو قاشا ) وكيل الكنيسة ليشرف بنفسه على متابعة الموضوع
بعد ان استلم وكيل الكنيسة التكليف اتصل بالجهات ذات العلاقة من المهندس المصمم والمعمار ومعمل الحلان , وبعد أن اطلعوا موقعيا على المكان , باشروا بإعداد التصاميم والكلف وتهيئة المواد الأولية , وفعلا بتاريخ 20 – 24 أيار 1973 وصلت المواد الأولية والعدة الخاصة بالبناء من كنيسة الساعة في الموصل بسيارة ( يعقوب سمعان مقدسية ” جميل ” ) مع الأشخاص الفنيين من الموصل : بني ( البناء ) , حنا فتاله ( صاحب معمل الحلان ) , شابا ( نجار الخشب ) خوشابا بنيامين , ايشو كورئيل ونيسان الجبلي , وإضافة الى هؤلاء كلفت مجموعة من الغديداي لترافقهم بشكل دائم منذ الخطوة الأولى في المشروع وهم : ججو وجنان توفيق شيتو , صباح زورا سكريا , فوزي يلدا شيتو , وعند حاجتهم الى أيادي عاملة إضافية يستعينون بالآخرين وحسب حاجتهم ونوعية العمل
يوم 28 أيار 1973 بوشر بالعمل بهدم جهة الكنيسة التي تقع أسفل البرج ” مقابل بيت كرومي حبش ” والتي كانت مبنية من الطابوق المحلي ( قرة قوشي ), وذلك لتغليف الحائط بطبقة من الحلان الموصلي ليستمر العمل به حتى آب 1973
بعد إكمال التغليف تم صب قاعدة وجسر من الاسمنت المسلح ليرتكز عليها البرج , الأعمال الخشبية نفذها ( جبو حنا باهينا ) اما تسليح الجسر قام به ( شابا ) من برطلة
سالت ( ججو توفيق شيتو ) وهو احد العاملين في البرج منذ المباشرة فيه حتى نهايته عن طبيعة الأعمال التي كانوا يقومون بها فقال : نحن نرافق المجموعة الفنية العاملة ونقوم بكل ما تطلبه منا في تهيئة مواد البناء الأولية أو العدد التي تدخل في العمل إضافة إلى نقل قطع الحلان من موقعها إلى موقع العمل , وعن أصعب مراحل العمل قال : كلما ارتفع البرج يصعب علينا إيصال المواد وخاصة قطع الحلان الكبيرة , وكان صب قاعدة الناقوس أصعب مراحلها وكذلك نقل قاعدة الصليب والتي على شكل كرة من الحلان تبلغ وزنها 70 – 80 كيلو حملتها على ظهري من فناء الكنيسة الجنوبي حيث يعمل النقار ” عمي بني ” عن طريق درج الكنيسة الداخلي , وقد أخذت قسطا من الراحة عند بين الكنيسة , بعدها واصلت الصعود إلى سطح الكنيسة ومن ثم أعلى البرج
يضم برج الكنيسة جرسين احدهما وهو العلوي , وهو نفس جرس كنيسة الطاهرة القديمة , والأسفل تم شراءه أثناء المباشرة بالعمل , بتاريخ 22 آذار 2009 تم إنزال الناقوس العلوي ونصبت مكانة ساعة حديثة احتلت الفتحات الدائرية الأربع للبرج , ولكنا لم تعمل إلا لأيام حتى توقفت نهائيا
5 . نتف من سجل
عند المباشرة بالعمل فتح سجل خاص بالمصروفات , وهو غاية في الدقة والتنظيم والترتيب مسكه وكيل الكنيسة ” عبو قاشا ” فتح بتاريخ 20 أيار 1973 وأغلق بتاريخ 7 شباط 1974
– بلغت المبالغ الكلية المصروفة لإكمال البرج ( 045 , 673 , 2 ألف دينار) ألفان وستمائة وثلاثة وسبعون دينارا وخمسة وأربعون فلسا
– كمية الأسمنت الأسود المصروفة ( 900 , 13 طن ) ثلاثة عشر طن وتسعمائة كيلو , والأسمنت الأبيض ( 100 كيلو ) مائة كيلو , سعر طن الأسمنت ( 500 , 8 دينار ) ثمانية دينار وخمسمائة فلس , قام بتجهيز الأسمنت : خدو حبش , مارزينا حداد , بحودي شيتو
– سعر قلاب الرمل أربعة دينار والحصو خمسة دينار , قام بالتجهيز دانو مخو , والمبلغ الكلي الذي استلمه ( 53 دينار ) ثلاثة وخمسون دينارا
– الأعمال الخشبية كانت من حصة ( بهنام فرنسو ) والمبلغ الذي استلمه ( 500, 8 دينار )
– معدل أجور العمال غير الفنيين ( 300 – 500 ) فلس , والعمال الذين وردت أسماؤهم في السجل : متي هدايا , شمعون ميخا كذيا , ياهو يوسف شيتو , سنحاريب رحيم , نمرود عزو شيتو , جورج سمعان كذيا , بهنام عزو شيتو , لويس بطرس , حازم بدري , هادي عزيز , بهنام فبليفوس
دمر القسم العلوي من البرج اثنان عمليات تحرير البلدة من عصابات داعش في العام 2016