كتابة : مثنی ادريس حديد – الموصل
كانَ ابي رحمهُ الله ( كَمعظم اباؤنا ) يُحِبُ الجلوس بالمقهى عَصراً ، بعدَ اَن يكون قد عادَ مِن العمل واخذ في البيت قسطا من الراحة .
كانَ يَجلس في مقهى ( الفروسية ) لِصاحِبها ( حمادي السبعاوي ) في منطقة باب الجديد ٬ وكانَ يَطيبُ لي الجلوس مَعهُ بعضُ الوقت قبلَ اِكمال طريقي اِلی شارع النجفي حيثُ سوق الكُتب
واتذكر مَرةٍ مِن المَرات وكانَ الوقتُ عَصراً ٬ والناسُ في هَرجٍ ومَرج والباعةُ يُنادون علی ما تبقی مِن بِضاعتهم وخضرواتهم ٬ اتذكر جَلستُ معهُ وقلتُ لهُ بعدَ ان اكملَ لف سيكاره التتن التي كانت بينَ يَديه :عندي تساؤلاتٍ يا ابي ابحث عَن اجوبةٍ لها عِندك .
قال تكلم : منذُ متی وانتَ تجلس في هذا المقهی ؟ اجاب : منذُ فترة طويلة وطويلة جداً مِن الزمن ٬ ربما مِن اول بِنائِه ٬ حيثُ كُنتُ ارتادهُ معَ اعمامك واصدقاء لي نتكلم في امور الخَيل وما يتعلق بِها .
سألته : هل كُنتَ تری عربةً يَجرها حِصان مُتوقِفةً في باب المقهى ؟؟ اجابني : نعم وهل كُنتَ تری عربات خَشبية لِبيع الخضراوات امام المقهى ؟ اجابني : نعم كَررتُ عليهِ السؤال وانا انظر اِلی الامام : وهل كنتَ تری اِسكافي ( منقل ) يُصلح لِلناس ماافسدتهُ الشوارع مِن احذيتهم ٬ يجلس مُفترِشاً الشارع وقُربهُ تجلس مُتسوِلة تَمدُ يَدها عَلی امل اَن يَجود بعض المارة لها بِبعضِ مال ؟ اجابني والغَضبُ بادٍ علی عَينيه : نعم .. نعم .. اِلی اينَ تُريد اَن تَصِل بِهكذا أسئلة ؟
قُلتُ لهُ ياابي انتَ كُنتَ تری كُل ماسالتكَ عَنهُ منذُ عشرات السنين ٬ والان وانا جالِسٌ معك اری نَفس الذينَ عَددتُهم لَك ٬ لااقصد نفس الاشخاص واِنما اقصد نفس تِلك المناظر والصور ٬ وانا واثِقُ اِنكَ لو كُنتَ سالتَ والِدكَ نفس تِلك الأسئلة لَكانَ جَوابهُ كما اجبتني ( بِنعم ) معَ فارق الزمن البعيد ٬ اِنَ مدينتنا ياابي لَم تَتقدم قَيدَ شَعرة كُل تِلك السنين الطويلة : صورٌ مِن التَعب اليومي لِناسٍ بُسطاء تَتكرر عَبر الزمن وايامٌ مِن الشقاء مُستنسخة كَمن يَستنسِخُ رُزمةَ اوراق لِٱصلٍ واحِد ٬ رُزمة الوَرق هيَ ايام وسنين اعمارهم ٬ والاصل الواحد هوَ يوم واحد سوفَ يظل يتكرر حتی النهاية ٬ كانَ ذاكَ الحديث معَ والدي رحمهُ الله قبلَ عَشرَ سنين تقريباً ٬ تَذكرتهُ في الامس وانا جالس معَ اِبني ( ليث ) في نفس المقهی عصراً ٬ فقط الذي تغير هوَ صاحب المقهی بعدَ وفاة صاحِبها القديم ٬ وتمَ اِستبدال صورة الفَرس التي تُزين الجِدار بِصورة مُغنية شابة ٬ وامام المقهى كنتُ اری : عَربة ٬ وبائع خُضار ٬ واِسكافي ٬ وَفقيرةٌ تَمدُ يَدها لِلمارة وهي تصيح : دَخيل الله جوعانة (…..).