الخميس, نوفمبر 21, 2024
Homeأخبار الاذاعةيوم بكت بغديدي ….
أخبار الاذاعة

يوم بكت بغديدي ….

بمناسبة قرب تطويب الكاهنين الشهيدين (الاب يوسف سكريا والاب بهنام ميخو) اللذين استشهدا في 28 حزيران 1915

كتابة : نمرود قاشا

( القسم الثاني  )

– شهود… لمسرح الجريمة

الشمس بدأت تغادر الأُفق، فهي شاهدة أيضاً للأيادي التي إمتدّت لتنال من هذين الرمزين، هناك شهود آخرون شاركوا الشمس أيضاً، هؤلاء كانوا قد غادروا الموصل أيضاً ضمن قافلة بعد أن غابوا عن عوائلهم أُسبوعاً كاملاً يبحثون عن لقمة خبز تسد رمقهم، فقد كانت قافلتهم على مسافة قصيرة من قافلة الآباء الكهنة، وعندما شاهدوا جنود السفر برلك “يتحرّشون” بالقافلة التي تسبقهم وجدوا تلّة صغيرة ليختبئوا خلفها وهذه المسافة تسمح لهم بمشاهدة واستماع الحوار الحاصل بين كفتي الخير والشر.

“طانيوس باهينا الذي كان يومها راهباً بدير مار بهنام”  وقد كان يعمل ساعوراً في كنيسة الطاهرة في الموصل وقد نقل تفاصيل الحادثة إلى ولده بهنام إضافة إلى آخرين رافقوا طانيوس ضمن هذه القافلة وهُمْ كل من: “توما (تومان) رفو كلكوان، حنانا عبار، وكرومي اينا”  إذن كل هؤلاء كانوا شهوداً لما حدث وقد نقلوا تفاصيل الحادث إلى أولادهم شهادات حق للأجيال القادمة.

– تفاصيل الحادث

بعد أن أصدر قائد فرقة الجندرمة أوامره بقتل الكاهنين يوسف سكريا وبهنام خزيمي يبدو أنّ القس يوسف كان قريباً من الجندرمة “فأنهالوا عليه بالضرب أولاً حيث ركع رافعاً يديه إلى السماء وهو يردّد:

إلهي، لتكن مشيئتك وحكمتك فقط”

فلم ينتظر جندي الدرك أن يكمل هذا الأنسان صلاته ثم يطلق عليه رصاصة ، فكانت يده تضغط على (الدبنجة) لتنطلق الرصاصة إلى صدره فسقط صريعاً. رفيقه القس بهنام عندما شاهد ما فعلوه التتر برفيقه حاول الهرب والتخلّص من القتلة ولكن صوت ما بداخله نادى له:

– بهنام… بهنام من غير المعقول أن تترك رفيقك يُذبح هكذا وتغادر، الشهادة إذن مع رفيقك هي الطريق الصحيح الذي يوصلك إلى المجد..

إستجاب “الخزيمي” (الاب بهنام ميخو)لهذا الجرس الداخلي وعاد إلى حيث (المقصلة) رافعاً يديه نحو السماء وهو يردّد: “بين يديك أستودع روحي يا مخلّصي”

وكما هي الحالة مع رفيقه لم يدعه هذا التتري أن يكمل شهادته، وكذلك وجد بأن الأطلاقة غير كافية لتشفي غليله قام “بقطع رأسه”  وبعدها مثّلوا بجثته حيث قطعت أصابع يده اليمنى ثم آذانه لأنه حاول الهرب، سقط “بهنام” جثة هامدة حيث إختلطت دماؤه بدم “يوسف” لتشكّلا خارطة حمراء لبغديدا..

سقط بهنام، قطعوا كفه اليمنى ولكن الأخرى لازالت مربوطة بحبل جواده، والتي حاولت أن تنطلق لتلحق بزميلتها جواد القس يوسف وقد غادرت قبلها بدقائق لينقلوا الخبر إلى الخُديديين وهم على موائد العشاء أو انتهوا منه،

– بغديدا كيف إستقبلت الخبر

مَنْ الذي أوصل خبر هذه الفاجعة إلى بغديدا، قلنا فيما سبق بأنّ مجموعة من الخديديين كانوا شهود عيان لهذا الحادث وبمجرد أنْ إنتهت فرقة (الجندرمة) فعلتها إستمرت في طريقها إلى الموصل وكَأَنَّ شيئاً لم يحدث بعد أن تُركت جثامين الشهداء تنزف دماً وهي تُحكي لباريها هول المأساة.

الخديديون الذين تابعوا هذا الحادث عن كثب بعد أن شاهدوا إنسحاب (العسكر) “إقتربوا من جثتي الكاهنين، وآنهمك قسم منهم بهما، فيما أسرع آخرون إلى بغديدا للأخبار ومنهم توما رفو كلكوان وهو أول من وصل إلى باخديدا وأخبر بالحدث”  ولكن الفرس الخاصة بالقس يوسف سكريا كانت قد سبقته لتنقل الخبر، فعند وصولها عرفوا بأن شيئاً ما غير طبيعي قد حدث ولكن وصول “تومينا” أجاب على كل تساؤلات الخديديين.

منصور سكريا عندما عرف بأن هذه الفرس العائدة (لعمه) ولكي يستطلع الأمر أمتطاها ليعود بها إلى طريق الموصل القديم وقد لحق به مجموعة من الخديديين منهم (كرومي شيتو، حنا بتق، بطرس ككي، حنا موميكا، توما البناء، عبد المسيح سكريا، أبراهيم عطالله، ججي فلج).

فكان هؤلاء شهود عيان لمسرح الجريمة، الدم لا يزال حاراً يتدفق، يتقطر وقد إختلط بتراب بغديدا ليطهره، شربة الماء التي كسرها (الجندرمة) على صدر القس يوسف إختلط ماؤها بدمه الطاهر، فرس (الخزيمي) صهيلها يصم الآذان، رافعةً قدميها الأماميتين إلى الأعلى لتعلن إحجاجها على الأصابع السوداء التي اغتالت الحب

وما هي إلا دقائق فصار الخبر على لسان كل أبناء بغديدا، فقد سرى سريان النار في الهشيم، بقي الناس بين مصدّق للخبر ومنهم غير مصدق لا زال ينتظر الدليل.

مَرَّ الزمن ببطيئاً، لا بل توقف عند الساعة التي إنطلقت فيها رصاصات الحقد لتغتال المدينة كلها، فعندما تغتال المدينة، إذن أليس من حقنا أن يكون العنوان “عندما بكت المدينة” وكيف لا تبكي على هذه الكلمات التي تقطر دماً وقد ردّدتها “معدنياثا دبغديدي” ومن ثم أصبحت نشيداً للمدينة:

خلابي دآني قاشي دماثا

مَبسمْاني دْمَرْأ ومصلياني لارملياثا

إِذا قَطْلَخ نَشرا وتورا

بثرح لَراخِشْ لا رابا ولا زُورا

يا قاشي يا قَرَّايّْ دحُوسايّ

دَغدالخ مِيثه دَايّْ

………

المصادر :

1 . مذكرات المطران مار قولس بولص دانيال (1831 – 1916)- سهيل قاشا – 2001.

2 .  عبد السلام الخزيمي – مجلة العائلة العدد 24 لسنة 2002.

3 . لقاء – مجي منصور ياكو. 2006

4 . 4 . لقاء مع حبيب سمعان زكو ( 2006 ) .

5 . لقاء مع موسى سكريا ( 2006 ) .