الخميس, نوفمبر 21, 2024
الرئيسيةأخبار الاذاعةيوم بكت بغديدي …. الجزء الثالث
أخبار الاذاعة

يوم بكت بغديدي …. الجزء الثالث

بمناسبة قرب تطويب الكاهنين الشهيدين (الاب يوسف سكريا والاب بهنام ميخو) اللذين استشهدا في 28 حزيران 1915 (القسم الثالث )

كتابة : نمرود قاشا

موكب العرس

الزمان: 28/ حزيران/ 1915

المكان: جنوب تل الصوان (القبة)

الوقت: التاسعة مساءً

بعد أقل من ساعة من حادثة إغتيال الكاهِنين (يوسف سكريا وبهنام أمطو  ميخو) من قبل فرقة (جندرمة) تركية منسحبة الى الموصل ووصول خبر الحادثة الى أهل بغديدا، تقاطر وصول الرجال الى الموقع لنقل رفاتهما.

المسافة بين مكان الحادث والمدينة (4) كم، وبما أنّه لا توجد أي واسطة لنقل جثامين الشهداء، عليه بادر (كرومي شيتو) وهو من الرجال الأوائل الذين حضروا إلى موقع الحادث للذهاب إلى قرية (علي رش) والتي تبتعد بحدود كيلو متر عن الموقع فجلب مجموعة أعمدة خشبية وحبال تمَّ ترتيبها على شكل محامل وضعت عليها الجثث لتحمل كل فرس صاحبها يحيط به مجموعة من الرجال من الجانبين، وهم يحثون الخطى حيث بغديدا، في موكب إختلطت فيه الصلوات والتراتيل بآهات الرجال وحمحمات الخيول.

الدماء… بعد لا زالت تتقطّر وقد طرّزت هامات الرجال الملاصقة للجثامين وعلى جانبي الموكب، قطرات دم لونت بياض (يشامغ) الرجال طرزتها بشارات حمراء صافية صفاء حامليها

الكيلومترات الأربعة التي قطعها موكب العرس شكّلتْ دهراً للواقفين على تخوم المدينة بإنتظار طلائع هذا الموكب، هذه الحشود يتقدّمها القس (جبرائيل حبش)  رئيس كهنة قره قوش والآباء الكهنة تحيط بهم المدينة كلها وقد خرجت لتلقي نظرة وداع أخيرة على هذه الأيادي الدافئة التي مسحت في يوم ما هامات أطفالهم أو جبين مرضاهم أو صافحت معوز .

هذا المساء يختلف عن كل مساءاتك – يا بغديدي- بصيص النور الذي يغادر “فوانيسك” القديمة عند رأس كل زقاق لينير بضعة أمتار أمام (موكب العرس) وهو يخترق أزقة المدينة الضيقة حيث كنيسة (مريم الطاهرة)  ..

لقد إحتضنت الكنيسة جثامين الشهداء، وودّع الرجال (العريس) إلى المكان الذي يجب أن يكون فيه، وآنسحبوا يلفهم الصمت والوجوم، إنسحبوا… تفرّقوا… و.. و… ولفني الظلام في المساءْ، وآمتصَّتُ الدماءْ

– صباح يوم 29 حزيران 1915

منذ فجر هذا اليوم زحف الخديديون  الى ساحة الكنيسة التي تضمُّ رفات الشهداء وذلك لكي يلقوا النظرة الأخيرة عليهم قبل أن يواروا الثرى.

غصّت ساحة الكنيسة بالمؤمنين من بغديدا وخارجها حيث أُقيمَتْ مراسيم الدفن الخاصة، حيث ألقى راعي الأبرشية كلمة أشار فيها ما قدّمه الشهيدين خدمة لرسالة السيد المسيح ودورهم ونكران ذاتهم في خدمة مؤمني البلدة وخارجها. وقد تزامن إقامة هذه المراسيم مع ذكرى القديسين (بطرس وبولص)  حيث كان المفروض أن يقيما قداساً بهذه المناسبة ولكن القدر جعل أن يقيم آخرون قداساً لهم.

بعد إنتهاء المراسيم الخاصة بالدفن حمل النعشان من كنيسة مريم الطاهرة (سيدة الوردية) الى كابيلا أخوية مار عبد الأحد الملاصقة لهذه الكنيسة حيث دُفِنا هناك. وفي داخل هذا (المعبد) يوجد (شاهد)  لقبر القس يوسف سكريا على يمين المعبد بينما لا يوجد شاهد لقبر القس بهنام أمطو ميخو، لوح من المرمر خُطّتْ عليه قصيدة بارزة بخط الثلث:

 لقد إنشقَتْ مرّة معنا إنسجاما

من تحت على هذا اللحد نامـــا

بطلق النار قد وقع شهيـــــداً

على تلّ الصوان رأى الحمامــــا

وتلك مصيبةٌ أَنستْ سواهــــا

فطلق النار قد حرق العظامـــــــا

وكلُّ رزيئة معهم لعـــــــــزاءُ

     يخفف من مرارتها الآلامــــــــا

ولقتل القس يوسف سكريــــا

تجرّعنا به الموت الزُؤامــــــــــا

(قره قوش) لك قامتْ تنــــوحُ

بكَ فَقَدْت مُدَبِّرها الهُمامـــــــــا

وقت كنت لنا فخراً وهامــــــــا

أَإنصافُ تودَعكَ التُـــــراب

ونهنأ ناكثين لك ذمامــــــــــــا؟

سوف نعرف قبرك كلَّ يـــومٍ

وإنْ مُتَّ فَلك كلامـــــــــــــــــا

– القس يوسف جبو سكريا

إسمه (يَسِّي) وهو إبن جبو يوسف سكريا، من مواليد بغديدا عام 1880، نشأ في عائلة (آل سكريا أو زكريا) وهي إحدى العوائل القديمة في بغديدا امتهنت الزراعة ولازالت، وعائلته غنية وعليه طفولته تميّزت بالهدوء والتواضع وحب العمل، (فشبَّ فلاحاً نشطاً يشارك أهله في أعمال الحراثة والحصاد فتعلّم حب العمل والأخلاص والصدق ومساعدة الفقراء)  إضافة الى (تواضعه وميله الى العبادة ومواظبته على أداء الفروض الدينية)  تعلّم الخدمة والطقس فَرُسِمَ شماساً بعدها إنتمى الى أخوية (مار عبد الأحد) حيث كان مثالاً للمسيحي المؤمن وعلى هذا الأساس طالب أهالي (بغديدا) من سيادة المطران بطرس هبرا رسامته كاهناً رغم أنّه كان متزوجاً من امرأة تنتسب الى عائلة (بولس كيخوا) أو بيت بلقو ولكنه لم يخلف منها.

وقد لبّى المطران هبرا الدعوة هذه (وبعد أربعة أشهر من الدروس اللازمة لدى القاصد الرسولي يوحنا درور رقاه المطران هبرا الى الدرجة الكهنوتية بتاريخ 25/أيار/ 1909 وكان قدوة ومثالاً للجميع) .

توفيت زوجته وتزوج مرة ثانية من (أنوسة) من بيت عولو فخلَّفتْ له إبنة واحدة هي (ببّي) زوجة منصور سكريا وأبناؤها (بولص، يوسف، موسى).

(قضى نحبهُ شهيداً بيد زمرة من الجنود العثمانيين المنهزمين إذ إغتالوه مع صديقه القس بهنام ميخو في مساء 28/ حزيران/ 1915) .

– القس بهنام أنطو ميخو

إسمه (بطرس) وهو إبن أنطو ميخو ولد في 12 نيسان 1882 دخل دير مار بهنام بعد تجديده وكان واحداً من سبعة رهبان لبّوا دعوة الرب وذلك بعد عام 1900 (فقضى به أربع سنوات)  وقد عرف عنه خلال دعوته هذه حبّه للجميع وإخلاصه وتواضعه وتفانيه في خدمة رسالته وإطاعته لمرؤوسيه ونتيجة لذلك وفي (1 شباط 1905)  إستدعاه البطريرك أفرام رحماني الى دير الشرفة في لبنان (لدراسة العلوم اللاهوتية)  فقضى فيه سنتين نهل ما أمكن إحرازه من العلوم اللاهوتية والكتابية.

(وفي 22 تموز 1906 رقاه البطريرك رحماني الى الدرجة الكهنوتية على مذبح دير مار بهنام بعدها بالإشراف على دير مار أفرام في جبل لبنان)  ولفترة قصيرة بعدها طلب منه التوجه الى بلدته وآستلام مسؤولية دير مار بهنام خلفاً للقس يوسف سفر.

وبهمة عالية عمل في دير مار بهنام (وقد أنجز عام 1907 عمارة رواق يتقدم الجناح الشمالي في الفناء الخارجي كما أنشأ الغرفة التي في صدره شرقاً) .

ورغم مسؤولية الدير (فقد ذهب الى زاخو مرتين لتوزيع الأسرار الإلهية في الأعياد الكبيرة. ثم عهد الى غيرته مساعدة كهنة قره قوش في خدمة النفوس مع بقائه في الدير فأخذ يذهب إليها على متن فرسه كل سبت وعيد لإقامة الذبيحة الإلهية حتى كان عام 1913 فآستقر فيها نهائياً) .

(قضى شهيداً مع زميله القس يوسف يوم 28 حزيران 1915) ، (بينما كان عائداً من الموصل الى قره قوش قرب تل الصوان الواقع نحو أربعة كيلو مترات شمال غربي البلدة قرب قرية علي رش في موقع يُسمّى القبة)

. . . .

المصادر والهوامش :

1 . – نشرة العائلة/ العدد 24 لسنة 2002- عبد السلام ميخو.

2 . – تاريخ أبرشية الموصل للسريان الكاثوليك- بغداد 1985- سهيل قاشا.

3 . – لقاء مع السيد يلدا عبدالله شيتو، مواليد: 1921 بتاريخ كانون الأول – 2005

4 . – القس جبرائيل حبش/ هو جبو بن يوسف حبش مواليد 1855، رُسِمَ كاهناً من قبل المطران رابولا أفرام رحماني في 27 آذار 1892 عُهد إليه رئاسة كهنة بغديدا تقديراً لذكرى أسلافه الذين كانت الرئاسة منوطه بهم، فقام بأعباء مسؤوليته بكل غيرة وحكمة وتفان فكان مثالاً لدماثة الخلق ، وطول البال حيث إستلم هذه المسؤولية عام 1901 وبقي فيها حتى وفاته 4/ آب/ 1930.

5 . – كنيسة مريم الطاهرة/ يرجع تاريخ إنشاؤها الى أيام دخول المسيحية الى بغديدا، أقدم ذكر لها يعود الى 1129، جُدّدتْ بعد أن دمّرها (طهماسب) 1745.

6 . – المطران مار غريغوريوس بطرس هبرا/ مواليد دمشق 3 كانون الأول 1856 رُسِمَ كاهناً في 13 حزيران 1886 في آب 1901 رقاه مجمع الكنيسة السريانية مطراناً لأبرشية الموصل توفي في 21/آذار/ 1933.

7 . – يحتفل سنوياً يوم 29 حزيران بتذكار الرسولين بطرس وبولص،

8 . – معبد مار عبد الأحد (سيدة الوردية) في عام 1902 قدم الى بغديدا كاهن إسمه منصور فاروق المارديني مرسلاً من قبل الآباء الدومنيكان، كان له ثروة من المال أحب أن يبني بها معبداً تخليداً لذكراه فآختار مكاناً على قطعة تبرع بها بولص ومتي ولدي بهنام قاشا وقد أُكمل بناؤها 1904 وفي نفس السنة توفي القس منصور.

9 . – قد يكون بعض الخلل في ترجمة بعض الكلمات وذلك لكون الخط الذي كتب فيه (الثلث) وهذا الخط مزخرف بشكل عالٍ  جداً إضافة الى بعض الحروف قد سقطت من اللوح وذلك لمرور فترة طويلة عليها. علماً بأن كاتب هذه الأبيات مجهول